كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهو كقوله: {ق والقرآن المجيد بَلْ عجبوا} [ق: 1].
وقيل: الجواب {كَمْ أَهْلَكْنَا} كأنه قال: والقرآنِ لَكَمْ أهلكنا؛ فلما تأخرت {كَمْ} حذفت اللام منها؛ كقوله تعالى: {والشمس وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] ثم قال: {قَدْ أَفْلَحَ} أي لقد أفلح.
قال المهدوي: وهذا مذهب الفراء.
ابن الأنباري: فمن هذا الوجه لا يتم الوقف على قوله: {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}.
وقال الأخفش: جواب القسم {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ عِقَابِ} [ص: 14] ونحو منه قوله تعالى: {تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الشعراء: 97] وقوله: {والسماء والطارق} {إِن كُلُّ نَفْسٍ} [الطارق: 1- 4].
ابن الأنباري: وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص.
وقال الكسائي: جواب القسم قوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار} [ص: 64].
ابن الأنباري: وهذا أقبح من الأوّل؛ لأن الكلام أشدّ طولًا فيما بين القسم وجوابه.
وقيل الجواب قوله: {إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} [ص: 54].
وقال قتادة: الجواب محذوف تقديره {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} لتبعثنّ ونحوه.
قوله تعالى: {بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ} أي في تكبر وامتناع من قبول الحق؛ كما قال جل وعز: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله أَخَذَتْهُ العزة بالإثم} [البقرة: 206] والعزّة عند العرب: الغَلَبة والقَهْر.
يقال: من عَزَّ بَزَّ؛ يعني من غَلَب سَلَب.
ومنه: {وَعَزَّنِي في الخِطْابِ} أراد غلبني.
وقال جرير:
يَعُزُّ عَلَى الطريق بِمَنْكِبيهِ ** كما ابترك الخْلِيعُ على القِداحِ

أراد يغلب.
{وَشِقَاقٍ} أي في إظهار خلاف ومباينة.
وهو من الشَّق كأنّ هذا في شَقّ وذلك في شَقّ.
وقد مضى في البقرة مستوفى.
قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} أي من قوم كانوا أمنع من هؤلاء.
و{كَمْ} لفظة التكثير {فَنَادَواْ} أي بالاستغاثة والتوبة.
والنداء رفع الصوت؛ ومنه الخبر: ألقِه على بلالٍ فإنّه أَنْدى منك صوتًا أي أرفع.
{وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال الحسن: نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل.
النحاس: وهذا تفسير منه لقوله عز وجل: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} فأما إسرائيل فروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس: {وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال: ليس بحين نَزْوٍ ولا فِرار؛ قال: ضُبِط القوم جميعًا قال الكلبي: كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض مناص؛ أي عليكم بالفرار والهزيمة، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص؛ فقال اللّه عز وجل: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} قال القشيري: وعلى هذا فالتقدير: فنادوا مناص فحذف لدلالة بقية الكلام عليه؛ أي ليس الوقت وقت ما تنادون به.
وفي هذا نوع تحكم؛ إذ يبعد أن يقال: كل من هلك من القرون كانوا يقولون مناص عند الاضطرار.
وقيل: المعنى {وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} أي لا خلاص وهو نصب بوقوع لا عليه.
قال القشيري: وفيه نظر لأنه لا معنى على هذا للواو في {وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} وقال الجرجاني: أي فنادوا حين لا مناص؛ أي ساعة لا منجىً ولا فوت.
فلما قدم {لا} وأخّر {حين} اقتضى ذلك الواو، كما يقتضي الحال إذا جعل ابتداء وخبرا؛ مثل قولك جاء زيد راكبًا؛ فإذا جعلته مبتدأ وخبرا اقتضى الواو مثل جاءني زيد وهو راكب، فحين ظرف لقوله: {فَنَادَواْ}.
والمناص بمعنى التأخر والفِرار والخلاص؛ أي نادوا لطلب الخلاص في وقت لا يكون لهم فيه خلاص.
قال الفرّاء:
أَمِنْ ذكر ليلى إذ نَأتكَ تَنُوصُ

يقال: ناص عن قِرْنه يَنُوص نَوْصًا ومناصًا أي فَرَّ وزاغ.
النحاس: ويقال: ناص ينوص إذا تقدم.
قلت: فعلى هذا يكون من الأضداد، والنَّوْص الحمار الوحشي.
واستناص أي تأخر؛ قاله الجوهري.
وتكلم النحويون في {وَلاَتَ حِينَ} وفي الوقف عليه، وكثّر فيه أبو عبيدة القاسم بن سلاّم في كتاب القراءات وكل ما جاء به إلا يسيرًا مردود.
فقال سيبويه: {لات} مشبّهة بليس والاسم فيها مضمر؛ أي ليست أحياننا حين مناص.
وحكي أن من العرب من يرفع بها فيقول: ولات حِينُ مناصٍ.
وحكي أن الرفع قليل ويكون الخبر محذوفًا كما كان الاسم محذوفًا في النصب؛ أي ولات حينُ مناصٍ لنا.
والوقف عليها عند سيبويه والفراء {ولات} بالتاء ثم تبتدىء {حِينَ مَنَاصٍ} وهو قول ابن كيسان والزجاج.
قال أبو الحسن بن كيسان: والقول كما قال سيبويه؛ لأنه شبهها بليس فكما يقال ليست يقال لات.
والوقوف عليها عند الكسائي بالهاء وَلاْه.
وهو قول المبردّ محمد بن يزيد.
وحكى عنه علي بن سليمان أن الحجة في ذلك أنها دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة، كما يقال ثُمَّهْ ورُبَّهْ.
وقال القشيري: وقد يقال ثُمَّتْ بمعنى ثُمَّ، ورُبَّتْ بمعنى رُبَّ؛ فكأنهم زادوا في لا هاء فقالوا لاه، كما قالوا في ثُمَّ ثُمَّهْ ثم عند الوصل صارت تاء.
وقال الثعلبي: وقال أهل اللغة: و{لاَتَ حِينَ} مفتوحتان كأنهما كلمة واحدة، وإنما هي {لا} زيدت فيها التاء نحو ربّ ورُبّتْ، وثمّ وثُمّتْ.
قال أبو زبيد الطائي:
طَلَبُوا صُلْحَنا ولاَتَ أَوَانِ ** فأَجَبْنَا أَنْ ليس حينَ بقَاءِ

وقال آخر:
تذكَّر حُبَّ ليلى لاَتَ حِينَا ** وأمسى الشَّيْبُ قد قَطَعَ الْقَرينا

ومن العرب من يخفض بها؛ وأنشد الفراء:
فَلَتَعْرِفَنّ خَلاَئقًا مَشْمُولَةً ** ولَتَنْدَمَنَّ ولاَتَ ساعةِ مَنْدَمِ

وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن {وَلاَتَ حِينَ} التاء منقطعة من حين، ويقولون معناها وليست.
وكذلك هو في المصاحف الجدد والعتق بقطع التاء من حين.
وإلى هذا كان يذهب أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: الوقف عندي على هذا الحرف {ولا} والابتداء {تحين مناصٍ} فتكون التاء مع حين.
وقال بعضهم: {لات} ثم يبتدىء فيقول: {حين مناصٍ}.
قال المهدوي: وذكر أبو عبيد أن التاء في المصحف متصلة بحين وهو غلط عند النحويين، وهو خلاف قول المفسرين.
ومن حجة أبي عبيد أن قال: إنا لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن؛ وأنشد لأبي وَجْزَةَ السعدي:
العاطفُون تَحِينَ ما مِنْ عاطِفٍ ** والمُطْعِمون زَمانَ أَيْنَ الْمُطْعِمُ

وأنشد لأبي زبيد الطائي:
طلبوا صلحنا ولا تأوانِ ** فأجبنا أن ليس حين بقاءِ

فأدخل التاء في أوان.
قال أبو عبيد: ومن إدخالهم التاء في الآن، حديث ابن عمر وسأله رجل عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، فذكر مناقبه ثم قال: اذهب بها تَلاَنَ معك.
وكذلك قول الشاعر:
نَوِّلِي قَبل نأَيِ دَارِي جُمانا ** وصِلِينا كما زَعمْتِ تَلانًا

قال أبو عبيد: ثم مع هذا كله إني تعمدت النظر في الذي يقال له الإمام مصحف عثمان فوجدت التاء متصلة مع حين قد كتبت تحين.
قال أبو جعفر النحاس: أما البيت الأول الذي أنشده لأبي وجزة فرواه العلماء باللغة على أربعة أوجه، كلها على خلاف ما أنشده؛ وفي أحدها تقديران؛ رواه أبو العباس محمد بن يزيد:
العاطِفونَ ولاتَ ما مِن عاطِفٍ

والرواية الثانية:
العاطِفونَ ولاَتَ حِينِ تَعاطفٍ

والرواية الثالثة رواها ابن كيسان:
العاطِفونَةَ حِينَ ما مِن عاطِفٍ

جعلها هاء في الوقف وتاء في الإدراج، وزعم أنها لبيان الحركة شبهت بهاء التأنيث.
الرواية الرابعة:
العاطِفونهُ حين ما مِن عاطِفٍ

وفي هذه الرواية تقديران؛ أحدهما وهو مذهب إسماعيل بن إسحاق أن الهاء في موضع نصب؛ كما تقول: الضاربون زيدًا فإذا كنّيت قلت الضاربوه.
وأجاز سيبويه في الشعر الضاربونهُ، فجاء إسماعيل بالتأنيث على مذهب سيبويه في إجازته مثله.
والتقدير الآخر العاطفونهْ على أن الهاء لبيان الحركة، كما تقول: مرّ بنا المسلمونهْ في الوقف.
ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف؛ كما قرأ أهل المدينة: {مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28 29] وأما البيت الثاني فلا حجة له فيه؛ لأنه يوقف عليه {ولات أوان} غير أن فيه شيئًا مشكلًا؛ لأنه يروى {ولات أوانِ} بالخفض، وإنما يقع ما بعد لات مرفوعًا أو منصوبًا.
وإن كان قد روي عن عيسى بن عمر أنه قرأ {ولاتِ حِينِ مناصِ} بكسر التاء من لات والنون من حين فإن الثبت عنه أنه قرأ {ولاتِ حينَ مناص} فبنى {لاتِ} على الكسر ونصب {حين}.
فأما ولاَتَ أوانِ ففيه تقديران؛ قال الأخفش: فيه مضمر أي ولات حين أوان.
قال النحاس: وهذا القول بيّن الخطأ.
والتقدير الآخر عن أبي إسحاق قال: تقديره ولات أواننا فحذف المضاف إليه فوجب ألا يعرب، وكسره لالتقاء الساكنين.
وأنشده محمد بن يزيد {ولات أوانُ} بالرفع.
وأما البيث الثالث فبيت مولّد لا يعرف قائله ولا تصح به حجة.
على أن محمد بن يزيد رواه كما زعمت الآن.
وقال غيره: المعنى كما زعمت أنت الآن.
فأسقط الهمزة من أنت والنون.
وأما احتجاجه بحديث ابن عمر، لما ذكر للرجل مناقب عثمان فقال له: اذهب بها تَلاَنَ إلى أصحابك فلا حجة فيه؛ لأن المحدّث إنما يروي هذا على المعنى.
والدليل على هذا أن مجاهدًا يروي عن ابن عمر هذا الحديث وقال فيه: اذهب فاجهد جهدك.
ورواه آخر: اذهب بها الآن معك.
وأما احتجاجه بأنه وجدها في الإمام تحِينَ.
فلا حجة فيه؛ لأن معنى الإمام أنه إمام المصاحف فإن كان مخالفًا لها فليس بإمام لها، وفي المصاحف كلها وَلاَتَ فلو لم يكن في هذا إلا هذا الاحتجاج لكان مقنعًا. وجمع مناص مناوص.
قوله تعالى: {وعجبوا أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ} {أن} في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم.
قيل: هو متصل بقوله: {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} أي في عزة وشقاق وعجبوا، وقوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا} معترض.
وقيل: لا بل هذا ابتداء كلام؛ أي ومن جهلهم أنهم أظهروا التعجب من أن جاءهم منذر منهم.
{وَقَالَ الكافرون هذا سَاحِرٌ} أي يجيء بالكلام المموَّه الذي يخدع به الناس؛ وقيل: يفرق بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجته {كَذَّابٌ} أي في دعوى النبوّة.
قوله تعالى: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا} مفعولان أي صيّر الآلهة إلها واحدًا.
{إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} أي عجيب.
وقرأ السلمي: {عُجَّابٌ} بالتشديد.
والعُجَاب والعُجّاب والعَجَب سواء.
وقد فرّق الخليل بين عَجِيب وعُجَاب فقال: العَجِيب العَجَب، والعُجَاب الذي قد تجاوز حدّ العَجَب، والطويل الذي فيه طول، والطُّوال، الذي قد تجاوز حدّ الطُّول.
وقال الجوهري: العَجِيب الأمر الذي يتعجّب منه، وكذلك العُجَاب بالضم، والعُجّاب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة.
وقال مقاتل: {عُجَّابٌ} لغة أزد شنوءة.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب فجاءت قريش إليه، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه، قال: وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا بن أخي ما تريد من قومك؟ فقال: «يا عم إنما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب وتؤدّي إليهم بها الجزيةَ العجم» فقال: وما هي؟ قال: «لا إله إلا اللّه» قال: فقالوا {أَجَعَل الآلِهَةَ إلها وَاحِدًا} قال: فنزل فيهم القرآن {ص والقرآن ذِي الذكر بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} حتى بلغ {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} خرّجه الترمذي أيضًا بمعناه.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقيل: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه شق على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا: اقض بيننا وبين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء، فلا تمل كل الميل على قومك. قال: «وماذا يسألونني» قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» فقال أبو جهل: للّه أبوكا لنعطينكها وعشر أمثالها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قولوا لا إله إلا اللّه» فنفروا من ذلك وقاموا؛ فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلها واحِدًا} فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد. فأنزل اللّه فيهم هذه الآيات إلى قوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ}.